فصل: الإتقان في الميزان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.الإتقان في الميزان:

الإمام السيوطي عليه رحمة الله رجل طلعة باقعة لم يدع شاردة ولا واردة، إلا اطلع عليها، فلا عجب أن جاء كتابه كالفهرس لعلوم القرآن، وقد ذكر فيه خلاصات مئات الكتب المؤلفة في هذه العلوم، وفي غيرها، وبحسبك أن تقرأ أسماء الكتب التي اعتمد عليها في تأليف كتابه، وقد سردها في مقدمته، لتتبين صدق هذا القول.
ومن محاسن الإتقان أن يذكر في مقدمة كل نوع من أنواعه الكتب التي ألفت مستقلة في هذا النوع وهو بهذا يرشد القارئ إلى المراجع، ويحمله على الاستزادة في البحث، والتحري عن الحقائق، واستقصاء ما كتب في الموضوع، ثم يأخذ في ذكر نقول ونماذج من هذه الكتب، توضح ما عنون له، وفي هذه النقول روايات صحيحة وجياد، لا يرد عليها أي طعن ولا يعلق بها غبار، وفيها مرويات زائفة مدسوسة، وكان الأولى أن ينبه عليها، أو ينزه كتابه عن ذكرها.
وقد اتخذ المبشرون والمستشرقون، وأضرابهم المتابعون لهم من هذه الروايات مادة للطعن في القرآن والإسلام؛ فقد صادفت هوى في نفوسهم المريضة، فقالوا ما شاء لهم هواهم أن يقولوا من زور وافتراء.
والإمام السيوطي من حفاظ الحديث- ولا ريب- ومثله أجل من أن يذكر مثل هذه الروايات الواهية الساقطة التي تصل إلى حد الوضع والاختلاق دون التنبيه عليها، ولعله يرى؛ أنه ما دام ذكر الرواية بسندها أو عزاها إلى مخرجها؛ فقد أعفى نفسه من التبعة، وعلى القارئ أن يبحث ويجدّ في البحث حتى يصل إلى مفصل الحق في هذه الروايات المريبة، وهو رأي لبعض حفاظ الحديث.
على أن هناك حقيقة ينبغي التنبه إليها، وهي أن الإمام السيوطي من نقاد الحديث، المتشددين جدّا في الحكم بالوضع أو السقوط ومن المتمسكين بحرفية قواعد أصول الحديث، وربما يرجح هذه الحرفية على القرائن التي تكاد تنطق بأن هذه الروايات مدسوسة على الحديث ورجاله.
وهناك حقيقة أخر: وهي أن نقاد الحديث وأئمته، ليسوا في درجة واحدة في أصالة النقد وبعد الغور وشفوف النظر، والكشف عن المعايب الخفية، فمنهم الناقد الجهبذ، والصيرفي الماهر، الذي لا يخفى عليه التزييف مهما استتر، ومنه الطبيب النّطاسيّ، الذي يعرف مكمن الداء بمجرد النظر، ومنهم من هو دون ذلك، فمن ثم خفيت هذه الروايات المدسوسة على بعض العلماء دون بعض، واغتر بها البعض فذكرها في كتبه، وتنبه إليها بعضهم؛ فلم يخدع بها بل نبه على وضعها.
ومن المآخذ التي أخذتها على مؤلف هذا الكتاب أنه يذكر بعض الأقوال الشاذة والآراء الباطلة، ويمر بها من غير أن يفندها ويبين بطلانها، وليس من شك في أن ذكر هذه الآراء من غير تمحيص، وتحقيق، يضر بالقارئ الذي لم يتعمق في الدراسات الإسلامية، وليس له من العلم بأصول الدين ما يعصمه من قبول هذه الآراء الزائفة المتسترة، أو على الأقل ما يوقعه في بلبلة فكرية، وشكوك علمية، وسيأتي فيما بعد أمثلة لذلك أثناء البحوث إن شاء الله تعالى.
والكتاب مع هذا نفيس ولكنه محتاج إلى التحقيق والتعليق، حتى يسلم من هذه العيوب المعدودة، وكفى المرء نبلا أن تعد معايبه وقد راودتني هذه الفكرة مرارا.. إلا أن الأحوال لم تكن مواتية والفراغ غير ميسر، ومثل هذا العمل يحتاج إلى جهد جهيد وتفرغ، وعسى أن يقوم بهذا العمل الجليل قسم الدراسات العليا بكلية أصول الدين، وبهذا يكون قد أسدى للعلم خدمة تذكر فتشكر.
وقد كان كتاب الإتقان- ولا زال- أوفى مرجع في هذا العلم، وعليه اعتماد من جاء بعد مؤلفه من العلماء إلى عصرنا هذا، وبهذا الكتاب توقف التأليف في علوم القرآن أو كاد، ولم نعلم أن أحدا ألف في علوم القرآن إلا ما كان من الإمام العلامة الشاه أحمد المعروف بولي الله الدهلوي المتوفى سنة 1176 هـ فقد ألف رسالة سماها: الفوز الكبير في أصول التفسير وهي رسالة صغيرة.. إلا أنها اشتملت على مباحث قيمة، وهي مطبوعة في الهند.. إلى أن جاء العصر الأخير.. عصر نهضة العلوم.

.عصر نهضة العلوم:

لما نهضت العلوم في العصر الأخير كان لعلوم القرآن من هذه النهضة نصيب ملحوظ، ونشاط ملموس، فبدأت الحياة تدب في علوم القرآن من جديد، والذي ساعد على هذا النشاط، وبعث هذه الحياة، ما أخذ به الأزهر في تطوره في القرن الأخير من إدخال الدراسات التخصصية في منهجه فحظي القرآن الكريم وعلومه ببعض شعب التخصص.
ولم تقف مباحث علوم القرآن عند الأنواع التي عني بها المؤلفون القدامى، بل أضيفت مباحث أخرى، فقد جدت بعض المباحث، مثل ترجمة القرآن إلى اللغات الأجنبية، وقد تناولها العلماء بالبحث ما بين مجوز ومانع، وألفوا في الانتصار لآرائهم الكتب والرسائل، وكذلك جدت بعض الشبه التي أوردها القسس والمستشرقون، ومتابعوهم من الكتّاب المعاصرين، فرأى الغيارى المخلصون من علماء الأزهر وغيرهم أن يناهضوا هذه الحركة الهدامة، التي تتعرض لأقدس ما يقدسه المسلمون، وهو القرآن الكريم فوضعوا في الرد على هؤلاء الطاعنين بعض الكتب والرسائل وبذلك أضيفت إلى مباحث هذا العلم مباحث أخرى جديدة، وتضخمت هذه الثروة العلمية أكثر من ذي قبل، ومن هؤلاء الذين حملوا شرف الدفاع عن القرآن الكريم الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله أحد شيوخ الجامع الأزهر الشريف في العصر الأخير، فقد ألف كتابا قيما في الرد على الدكتور طه حسين فيما ذكره في كتابه الشعر الجاهلي من شبهات على القرآن الكريم، وقد فند شبهاته التي أوردها مع العفة في القول، والأصالة في النقد كما هو شأن العلماء الراسخين، وكذلك صنع العالم الكبير الأستاذ الشيخ محمد عرفة- مد الله في عمره- في الرد على الدكتور طه فيما كان يلقيه على طلاب الجامعة من محاضرات فيها طعون على القرآن الكريم، وألف في ذلك كتابا صغير الحجم، ولكنه جم الفائدة، وسماه نقد مطاعن القرآن.

.المؤلفات في العصر الأخير:

في هذا العصر ألفت كتب في علوم القرآن بعضها شامل لجميع أنواعه أو لجلها، وبعضها في بعض أنواعه ومباحثه، وبعضها سلك فيه مؤلفه مسلك الإطناب والاستقصاء، وبعضها متوسط؛ وبعضها قصير.
فمن المؤلفات التي اشتملت على كثير من أنواعه: كتاب التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن للعلامة المغفور له الشيخ طاهر الجزائري، فرغ من تأليفه سنة 1335 هـ، وهو مختصر لبعض مباحث كتاب الإتقان مع بعض زيادات طفيفة.
وألف المغفور له العلامة الشيخ محمود أبو دقيقة من كبار علماء الأزهر كتابا في علوم القرآن سلك فيه مسلك التوسط، إلا أنه لم يتم.
جاء بعده المغفور له العلامة الشيخ محمد علي سلامة من كبار العلماء، فألف كتابا سماه: منهج الفرقان في علوم القرآن وقد سلك فيه مؤلفه مسلكا وسطا، وقد اشتمل على الكثير من أنواع علوم القرآن، ثم سار على هذا المنهج وزاد عليه الأستاذ العلامة الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني رحمه الله فألف كتابا حافلا في مجلد كبير سماه مناهل العرفان في علوم القرآن وهو دون سابقه في استيعاب أنواع علوم القرآن، إلا أنه أوسع فيه القول، وأطنب في بعض موضوعاته إطنابا مشكورا ولاسيما في الرد على الشبه والمشكلات التي أثيرت حول القرآن والوحي، ويظهر أن المؤلف عليه سحائب الرحمة كان في نيته أن يكمل الكتابة عما ترك من الأنواع في جزء ثان، ولكن المنية عاجلته.

.رسائل وكتب في بعض علوم القرآن:

كما ألف بعض العلماء والأدباء كتبا ورسائل في بعض أنواعه، منهم:
العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي رحمه الله مفتى الديار المصرية سابقا، وله رسالة سماها: الكلمات الحسان في الحروف السبعة وجمع القرآن، والعلامة الشيخ محمد حسنين العدوي رحمه الله، والعلامة الشيخ محمد خلف الحسيني فقد كتب في نزول القرآن على سبعة أحرف، ومنهم أستاذنا العلامة المحدّث الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي رحمه الله، فقد ألف رسالة سماها: إيقاظ الأعلام في اتباع رسم المصحف الإمام وهي رسالة قيمة، تنم عن علم غزير، ومنهم الأستاذ الشيخ عبد العزيز جاويش رحمه الله فقد كتب رسالة بعنوان:
أثر القرآن في تحرير العقل البشري وألقاها في نادي دار العلوم، ومنهم الأستاذ الشيخ محمد عبد العزيز الخولي رحمه الله فقد ألف كتيبا بعنوان القرآن الكريم- وصفه- هدايته- أثره- إعجازه، ومنهم الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي رحمه الله فألف كتابه إعجاز القرآن وهو على كثرة ما كتب في الإعجاز، يعتبر بدعا في بابه وقد كشف فيه عن كثير من إعجاز القرآن الأدبي والعلمي والاجتماعي.
وللأستاذ الشيخ الدكتور محمد عبد الله دراز عضو جماعة كبار العلماء- رحمه الله وأثابه- كتاب جليل سماه: النبأ العظيم عرض فيه لإعجاز القرآن، وأبان عنه بطريقة علمية فنية، ثم شرع يدلل على إعجاز القرآن البياني في سورة من سور القرآن، وهي سورة البقرة، إحدى الزهراوين، بما لا يدع مجالا للشك في أن هذا القرآن فوق مستوى قدر البشر، وأنه من عند خالق القوى والقدر.
ولو أنه تناول القرآن كله على هذا المنوال لكان ذخيرة من الذخائر القرآنية التي تنتفع بها الأجيال المتعاقبة، فعسى أن يقيض له الله سبحانه من يقوم بإتمام هذه الدراسة القرآنية على هذا المنهج المستقيم البديع.